حتى اذا تغاضينا عن الفشل في الحديث بلسان أهل ملوي وقراها التي لم تصادف كلمة واحدة مشابهة لهذه اللكنة غير نطق "عبدالقادر" لكلمة ملوي، وبغير ذلك لاتنتمي اللهجة التي يتحدث بها مسلسل "ابن الغابة" الشهير تلفزيونيا ب" ابن الغلابة"، وبغض النظر عما ستؤول إليه الأحداث حتى نهايته، فإن العادات والتقاليد التي يعج بها العمل ويروج لها، ليست موجودة على إطلاقها في هذه البقعة الجغرافية من مصر، إن لم تكن لاتنتمي لتقاليد المصريين عموما بغض النظر عما إن كانت تلك التقاليد أخلاقية ام مجرد موروثات من أجيال تسلمها لأجيال.
لا أتحدث هنا بلسان الناقد الفني الذي يتناول نقاط الضعف والقوة وجودة المادة المقدمة والقيمة الأخلاقية والأدوات وزوايا التصوير وملائمة الممثلين للشخصيات التي يجسدونها، والرسالة التي يرغب في توصيلها للمتلقين، بقدر ما أتناول العمل باعتباري أحد ابن المنطقة التي يقول المسلسل أن الاحداث جرت في نطاقها، حيث لا يبعد مسقط رٱسي عن مدينة ملوي اوقرية "نواي" التي ينتمي اليها عيسى الغانم وعائلته، وتدور في محيطها الأحداث باكثر من عشرين كيلو مترا.
فشخصية صفية شقيقة عيسى مختلقة من أولها لأخرها، وغريبة عن منطقة ملوي والصعيد عموما، وبعيدة عن تقاليد تربت عليها المرأة الجنوبية، وماتقوم به خارج نطاق العقل اساسا فلا توجد سيدة تحب أخاها أو تعاديه يمكن أن تقوم بالابلاغ عنه جهرا أو حتى خفية، أيا كانت الجريمة التي ارتكبها أو مدى فظاعتها، فضلاً عن أنها تواجهه مواجهة ندية بين شخصين، ولا يمكن بأي حال من الأحوال - إن فعلت - ذلك أن تعيش هكذا بين أسرتها غير منبوذة وفوق ذلك توجه إخوتها وتقودهم !!
أما إحدى الغرائب الثانية في القصة هي شخصية زينب وزوجها حسان ، حتى إذا كان ارتباطهما وتزوجها بطريقة غير سوية تحدث في كل المجتمعات، غير أنه لا يوجد في تقاليد القرية عموما ولا - الصعيد خاصة - أن تواجه سيدة زوجها بأنها تزوجته لتكيد به زوجا اخر وأنها لا تقبله وتجاهر بحبها لشخص ثان "عيسى" وهي في عصمة زوجها أيا كان مستواه الاجتماعي أو صفاته الشخصية، ولا يمكن لأي رجل في هذه البقعة أن يرتضي بحياة مع مثل هذه السيدة !!
لا ضير من أن أكرر أنني لا أناقش الأفعال في حد ذاتها ولا المشاعر، لكنني أوضحها في ظروف محيط وقوعها وعاداته، سواء اتفقت أو اختلفت مع تلك التقاليد، ولا أعتقد أن مجتمعا مهما كانت ظروفه الاقتصادية أو الاجتماعية أو موقعه الجغرافي أو موروثه التاريخي ليس فيه فضيلة واحدة يظهرها العمل الدرامي، من أول الابطال الرئيسين عيسى وٱخويه صديق وحمزة وفرح ثم زوجها عزت وضاحي وعبدالقادر ورشوان وصفية وزينب وحسان والصيدلي، والمدرسة زميلة عيسى وعيد.
هذه ليست حياة في مجتمع بقدر ما هي صراع في غابة للتوحد، ليس فيه فضيلة واحدة توحد ربها، وسيكون متسقا مع أحداثه لو كانوا استبدلوا اسمه بابن الغابة بدلا من"الغلابة" الذين لم يكونوا في حاجة لإضافة غلب على غلبهم!
حزن الختام:-
صباح أخضر..صباح أغير
أهي صباحات وبتعدي
فكل .. واشكر
ولا تسألش ليه إحنا
علينا الحزن يتشطر
وماتقولشي
إذا وسوس لك اﻻنسان
كلام يحمل معاني كتير
يزعل منك الأحرار
علي الأشرار ..علي العسكر
يطلع منه ميت تهمة
بفتوى الأمن والأزهر
دا كافر والشيطان ضله
دا جاحد بالنعيم كله
دا واد أصفر
وﻻتحلم ولا تضحك
وﻻتبكي وﻻتفكر.
----------------------
بقلم: علي ابراهيم